من وحي الحج
*****************************
بقينا وفي زلاتـنـا نتململ
وساروا يؤزُّ الركب وجد مزلزل
تزيَّوا ببيض من ثياب طهورة
ونحن بأثواب الخطيئات نرفل
فيا ليتنا كنا حُداة لركبهم
ويا ليتهم لم يغفلونا و يهملوا
شغلنا قليلا من دعاهم وذكرهم
ومن ذاق فضل الله حاشاه يبخل
تبـعـنا بحب خطوهـم كل لحظة
كأنا بصحـبتهــم نقـول ونفعـل
يصـلصـل في أنفاسـنا وبنبضــنا
يعانق دمعـا في المآقي ويشـعل
فـيُخلي نفوسَ العاشـقين أُوارهُ
ويـبعـث فيهـا خيرها حين يَهطِل
نطوف إذا طافوا وفي القلب لوعة
لأنا بأرواح هـفـت نتمثل
نقبل عند الركن أقدس صخرة
ومُلتزَما يحلو لديه التذلل
وفي السعي تابعنا الصعودعلي الصفا
وللمروة الغـرَّاء رحنا نهرول
ولما ارتووا ذقنا حلاوة زمزم
كأنا معا كنا نعب وننهل
فصار الذي يجري خلال عروقنا
ينقِّي دمانا تارة ويغسِّل
وفي عرفات الله سيل من الوري
سحائـب غفران عليهـم تنزَّل
يهز الجبال الصـمَّ رجعُ دعائهم
يسافر في كل البقاع يجلجل
فطرنا حَماماً في فضـاء نعيمهم
نروح بطانا لا خِماصـا ونهدِل
وحين أناخوا للمقام مطيَّهـم
وصلوا كما صلي الرسـول الـمُكمَّل
وراحوا يلمون الحصي وكأنه
للقياهمو شوقا يحن فيقبل
رمينا سهاما من سهام يقيننا
تقطِّع أوصـال الضـلال تُقَتل
فهم يرجمون الآن بعض حجارة
وللركن قد مدوا الأكف وقـبلوا
ولما أفاضوا وانتهوا من طوافهم
وأبكاهمـو اليوم الوداع المؤجل
حبـسـنا دموع العين حتي نراهمو
لنبكي سـويا ان أقاموا ونرحل
فهم قد أقاموا حين غادر ركبهم
ونحن ارتحلنا و الذنوب تُكبِّل
ومن مسجد الله الحرام توجهوا
إلي حيث يهفو كل قلب ويأمُل
ولف الخطي حب لدوحة أحمد
ففيها يطيب العيش دوماً ويَجْمُل
تداعت إلى الأذهان ذكري وسيرةٌ
تباهي بتاريخ الهدي وتؤصِّل
فرحنا نجلي صفحة بعد صفحة
ومن كل حرف عبرة نتمثل
فيا سعد أصحابٍ كرامٍ بمكة
أحاطوا بخير الخلق لم يتحولوا
ولما ثوي ركب الحبيب بطيبة
أقاموا عرى الدين الحنيف وأوصلوا
ومازال ركب الحب يسعي لقربها
وقد أشـرقت نورا يدل ويذهل
يتوق للقيا خير من وطئ الثري
وللشـوق أسباب تشـد وترسل
تحرك في قلب المحبين رغبة
فإن المني توق وبرد ومرجل
وعند اللقـا تخبو تباريح نهمة
وقد طاب رِيٌّ للظماء ومـنهل
ولما رأوا بيت الحبيب وقبره
ومن هيبة شُـلَّت أياد وأرجل
وأبصـارهم شوقاً اليه حديدة
تضج بدمع في المآقي وتَهـمِل
أطاح الجوي منهم بكل نقيصة
وأرخي ثياباً من عفافٍ تسـربل
فصلوا خشوعاً في أناة وسلموا
وباحوا بأوجاع تُعِـلُّ وتُثقل
هنا في رحاب الحب أشباح تلتقي
وأرواح في أركانها تتجوَّل
ويحرس وفد الله فيها ملائك
تزف من الله العـطايا تظلل
وفي الروضة التفَت أكف وأدمع
وأصوات تستجدي الخلاص وتسأل
يدندن فيها بالدعاء وبالرجا
وينصب وجهاً للصلاة مُؤمِّل
ويرشف من آي الكتاب مكارماً
ومن نبعه الرقراق تالٍ يرتل
فيارب جُد في كل عام تفضُّلاً
علينا بحج لا نزل ونخطِل
وفي طيبة نحيا جوار حبيبنا
ونَقضي يوارينا ثراها ويَخْضِل
**************************
د/أحمد مدحت جعفر