الاثنين، 8 مايو 2023

الفكر الإسلامي / بقلم / السعيد عبد العاطي

 ساعة مع الفكر الإسلامي /

بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر ٠
------------------------------
((( تجديد دعوة هدم المذاهب الفقهية محاولة بائسة ٠٠ !! )))
قال قتادة:
من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه للفقه.
و يقول عمر بن عبد العزيز :
" ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يختلفون لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق ، و إنهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم لكان سنة " ٠
( الاعتصام للشاطبي )
وكلهمْ من رسولِ اللهِ ملتمسٌ غَرْفاً مِنَ البَحْرِ أوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ ٠
" البوصيري "
٠٠٠٠٠٠
باديء ذي بدء الحديث عن الفكر الإسلامي و فقه المذاهب الأربعة ذو شجون فقد تربينا على مصادرها و اقتنينا منذ نعومة أظفارنا كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لأهميته في حياتنا لمعرفة الأحكام التشريعية و لفهم معاني الكتاب و السنة ٠
و الذي يحزننا أننا كل فترة نسمع و نشاهد و نقرأ دعاوى لهدم أمور مستقرة في الفكر الإسلامي و منها على سبيل المثال " إلغاء المذهبية في الإسلام " و إسلام بلا مذاهب ، و لا سيما المذاهب الأربعة المعتمدة و التي جمعت لنا قضايا الشريعة و مسائل الفقه من خلال الفهم الواعي للكتاب و السنة و آراء الصحابة و التابعين بإحسان ، بل يظل باب الاجتهاد مفتوحا للقياس و الاستنباط مع أمور الدين و الحياة حتى يومنا هذا ٠
و كل هذا اجتهادات فكرية بعيدا عن الحواجز الطائفية و النزعات لبيان مدى الجوهر و التطرف الفكري من خلال وجهات النظر و النظريات و العودة إلى المنابع الصافية ٠٠
مع التقليد و التبعية و الإصلاح و التجديد لمعرفة التشريع في الأمور من خلال لجنة الفقهاء و العلماء معا ٠
و لذا نلاحظ تكرار دعوة إلغاء و تعطيل المذاهب و التقليد و محو التراث الإسلامي الذي حفظ لنا جوهر الإسلام شكلا و مضمونا عبر العصور ٠
نجد اليوم تيار بعينه يريد أن يحتكر الفقه لنفسه و هو الذي يسير على منهج الكتاب و السنة وحده و يتمسح بالسلف الصالح و فرقته هى الناجية ، و كأن المسلمين كلهم أجمعين خارج هذا المسار و هذا عبث و تعصب و جهل
و تناقض في تناول الدراسات الإسلامية بكل محتوياتها المتعارف عليها ٠٠
و أعجب كل العجب من شباب الدعوة السلفية الجدد الذين يرددون كلام لمشايخهم في هذا المضمار في هدم المذاهب الفقهية المعتمدة ٠٠!!
و إنها بدعة و تقليد لم نؤمر بها و أمامنا الكتاب و السنة و السلف الصالح و لم يأمرنا الدين بهذا أن نقول و نأخذ من مذاهبهم كما يردد الشيخ مصطفى العدوي و غيره أن ربنا و الرسول يقول خذ من الشافعي و مالك و أحمد و أبي حنيفة ٠٠
و يريدون أن نتمسك يحتج برأيه و فتواه هو و من معه ، حتى جيل الشباب التابع لهم يترجم كل هذه الآراء دون وعي و إدراك للمقاصد من نشأة المذاهب و الخلاف الفقهي المحمود و لا يعمل العقل بالبتة ، كما سنبين هنا إن شاء الله في تلك السطور التالية على النحو التالي ٠٠
= أولا :
لا يجد عامة المثقفين عسرا في استيعاب و فهم للأدوار الفكرية للمذاهب الإسلامية ٠
بداية من مذاهب الاعتقاد حول العقيدة و الاختلاف في مسألة الجبر و الاختيار ٠٠٠
و اختلاف علماء الكلام مع اعتقاد الجميع بأصل الوحدانية و لا يختلف فيه أحد من أهل القبلة ٠
و مذاهب السياسية حول اختيار الخليفة و منهاج كل فرقة ٠
و المذاهب الفقهية :
التي نظمت العلاقة بين الناس بعضهم مع ببعض و بينت العلاقة بين العبد و الرب في العبادات التي شرعت بالكتاب و السنة و غيره ٠٠٠
و من ثم قد اختلف الناس لأسباب منها :
الاختلاف الفكري و الغموض في الموضوع ذاته و اختلاف الرغبات و الشهوات و الأمزجة و اختلاف الاتجاه و تقليد السابقين و اختلاف المدارك و الرياسة و حب السلطة ٠٠
كما يرجع اختلاف المسلمين لعدة أسباب أيضا ٠٠
و نركز هنا الاختلاف محمودا ليس في لب الدين الكل يقر بوحدانية الله تعالي و شهادة ان محمد رسوله و القرآن نزل من عند الله ٠
و لا في أصول الفرائض و لا في طرق أداء هذه التكليفات ٠
لم يكن الخلاف في ركن من أركان الإسلام و لا في أمر علم من الدين بالضرورة ٠
كتحريم الخمر و الخنزير و أكل الميتة و القواعد العامة للميراث و إنما الاختلاف في أمور لا تمس الأركان و لا الأصول العامة ٠٠
و إذا كان الافتراق حول العقائد في جملته شرا فإنه يجب أن نقره ان الاختلاف الفقهي في غير ما جاء به نص من الكتابة و السنة لم يكن شرا بل كان دراسة عميقة لمعاني الكتاب و السنة و ما يستنبط منهما من أقيسة ٠
و لم يكن افتراقا بل كان خلافا في النظر و كان يستعين كل فقيه بأحسن ما وصل إليه الفقيه الآخر و يوافقه أو يخالفه و يظل باب الاجتهاد في كل عصر مفتوحا و مقبولا و عليه أجر ٠٠٠
و كان عمر بن عبد العزيز يصرخ اختلاف الصحابة في الفروع ٠
و قد اختلف المسلمون لأسباب منها :
العصبية العربية التنازع على الخلافة مجاورة المسلمين لكثير من أهل الديانات القديمة و دخول بعضهم في الإسلام ترجمة الفلسفة التعرض لبحث كثير من المسائل الغامضة القصص ورود المتشابه في القرآن الكريم استنباط الأحكام الشرعية و غيره كثير ٠٠
و من ثم نشأت المذاهب الفقهية ويبقى جمال الفكر مع اختلاف المذهب و أثره في إثراء الشريعة و مقاصدها حول الأحكام ٠
و منهج الاجتهاد و معرفة الحق و الرأي و القياس و الإجماع و المصلحة و صحة الفهم و حسن التقدير و العلم و الدراية و صحة النية و سلامة الاعتقاد ٠٠
و في البداية فكيف يدعون - السلفية - إنهم يسيرون على طريقة الكتاب و السنة النبوية الشريفة من خلال اتباع فهم السلف الصالح لها ٠
أليس من الأئمة الكبار و العلماء الأجلاء الذين ساروا على نهج الصحابة و التابعين و من تبعهم بإحسان و الائمة في تسلسل أن نبني على فهمهم الصحيح و تفسيرهم واجتهادهم الذي لا يناقض فهم الأولين بالأدلة و الاجتهاد و القياس و الاستنباط و الإجماع و التقليد في نشر الشريعة جلية ٠٠
و من ثم يبادر إلى ذهني خطورة دعوة قضية تعطيل المذاهب عند السلفية الجدد :
أليسوا يقولون إن السلفية تعني اتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح..
والسلف الصالح هم الصحابة والتابعون وأئمة المذاهب وعلماؤهم ! ٠
ويصرحون دائما أن الاكتفاء بالقرآن والسنة وحده لا يكفي، لأن نصوصهما حمالة أوجه من المعاني، ولا يُضبط المنهج الصحيح إلا بالتقيد بما فهمه السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام من هذه النصوص حتى لا نزيغ كما زاغت الفرق البدعية التي استغنت بالكتاب والسنة عن فهم السلف..
فلماذا عندما نأتي إلى المسائل الفقهية يزعمون أن نصوص الكتاب والسنة تكفي وحدها، ولا حاجة لنا لهذه المذاهب الفقهية؟!
إن الأئمة الأعلام رحمهم الله عندما كانوا يُصرحون بوجوب اتباع الدليل من الكتاب والسنة وترك أقوالهم المخالفة له، كانوا يُوجهون الكلام إلى العلماء الذين بلغوا درجة الاجتهاد، ولا يقصدون بكلامهم عوام الناس.. و بحسبك أيها القارىء الكريم كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين) لابن القيم رحمه الله في بداية الجزء الأول، حيث يقول عن الاجتهاد والتقليد، ومن تجوز له الفتيا ومن تحرم عليه، وكذا تحريم القول على الله بغير علم..
إن ابن القيم ألف كتابه للموقعين عن رب العالمين، ومعلوم أن الموقعين عن الله تعالى هم العلماء الذين بلغوا منزلة الاجتهاد، وليس كل الناس..
و من ثم نراه يُميز بين صنفين من علماء الأمة: = أحدهما حفاظ الحديث وجهابذته والقادة الذين هم أئمة الأنام، وزوامل الإسلام، الذين حفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله، حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس لم تشُبْها الآراء تغييرا ٠
= والصنف الثاني هم: “فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خُصوا باستنباط الأحكام، وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب ٠
هذا التفريق الدقيق من ابن القيم رحمه الله بين حفاظ العلم والدين، الذين قد لا يُحسنون استنباط الأحكام مما يحفظونه من علم، وبين الفقهاء الذين اختصوا باستنباط الأحكام ! ٠
إن ابن القيم يُقر أنه يوجد من يحمل علما في صدره وهم حفاظ الحديث، ولكنهم ليسوا من أهل استنباط الأحكام..
فحفظك للحديث لا يجعلك فقيها ولا يُبيح لك استنباط الحكم منه.. ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم: “فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه” ٠
و قوله رحمه الله في الفقهاء (ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام).
فهو يدل دلالة واضحة أن فتاوى هؤلاء الفقهاء الأعلام كانت تنتشر وتُتداول بين الناس.. فماذا يقول أدعياء السلفية في هذا الأمر؟!٠ كيف يجوز للناس أن يتداولوا بينهم أقوال الفقهاء ويتركوا نصوص القرآن والسنة؟!
ولو كان الاجتهاد ميسورا للجميع لما كان لهذه الأقوال أي معنى، ما دام الأصل الذي أخذوا منه أقوالهم محفوظا وموجودا..
إن كلام ابن القيم رحمه الله يؤكد لنا أن عملية الاجتهاد محصورة في الفقهاء ٠
الصحابة أو القرون الثلاثة الفاضلة ومن اقتدى بهم، فنجد أن هناك من يجتهد بطريقة فقهية معينة يجعل من يتبع هذه الطريقة سلفياً ومن يخالفها ليس سلفياً، وإن كان قد يقول بعضهم مثلاً: إنه ليس سلفياً في الفقه وإن كان سلفياً في العقيدة، وهذا التقسيم غلط؛ فإن مسائل السلف التي تضاف إليهم هي مسائل الإجماع.
وهذه مسألة عني شيخ الإسلام ابن تيمية بتقريرها، وعدم فهمها هو الذي أدى إلى انقسام السلفيين الآن، فكل له طريقته و مع مرور الزمن تصبح مذهب أو طريقا أيضا فنلف و ندور في حلقات مفرغة ٠
و السلف يستشهد بأقوال قديمة وحديثة معاصرة لعلماء و شيوخ و هذا في نظري و رأي المحدود أكبر تناقض و تخبط فلماذا يتصدرون الفتاوى في المنصات و القنوات و الإعلام بأنواعه و في المساجد و يكونون رابطة سوف تكون لها مرجعية مع دوران الأيام؟!٠
تلك قسمة ضيزى ما أنزل الله بها من سلطان و كلام مبرر غير منطقي ٠
* و الخلاصة :
الاختلاف مع كونه ضرورة، هو كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها.
ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم:
"ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة".
الاختلاف مع كونه ضرورة، هو كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها.
ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم:
"ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة".
والصحابة و الأئمة الكبار باختلافهم أتاحوا لنا فرصة الاختيار من أقوالهم واجتهاداتهم، كما أنهم سنوا لنا سنة الاختلاف في القضايا الاجتهادية، وظلوا معها إخوة متحابين.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان مشرعاً موسعاً على الناس لئلا يحرج أمته.
وقال: يسِّروا ولا تعسِّروا ".
وقال لبعض أصحابه في سياق الإنكار عليه إن فيكم منفرين.
و كان عمار بن ياسر رضى الله عنه يأخذ بأشد الأمور و كان مكلفاً محتاطاً لنفسه ودينه ٠
وبناء على هذا المقصد رجح العلماء في قضايا الخلاف التيسير على مر الزمان إذا ظهر أن القول الراجع يؤدي إلى إعنات ومشقة وعدلوا عن القياس وخصصوا عموم النصوص فالقاعدة أن غلبة المشقة مسقطة للأمر قال عليه الصلاة والسلام:
" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " ٠
* و يرجع توظيف اختلاف العلماء :
لرفع الحرج والمشقة عن الأمة وذلك معنى كون الاختلاف رحمة.
فقد فسر الشاطبي رحمة الخلاف بقوله:
إن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضرباً من ضروب الرحمة، وإذا كان من جملة الرحمة، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجاً من قسم أهل الرحمة.
وكل هذه المعاني يشير إليها هذا الحديث المشهور على ألسنة الناس وهو اختلاف أمتي رحمة قال في المقاصد الحسنة: رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة علي، فإن لم تكن في سنة مني فما قال أصحابيـ إ، أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. وأورده ابن الحاجب في المختصر بلفظ أمتي رحمة للناس.
و نختم بهذا :
وللاختلاف أسبابه المشروعة في الفقه ولهذا اعتبر العلماء معرفة الاختلاف ضرورية للفقيه حتى يتسع صدره ونفسح أفقه.
فقد قال قتادة:
منن لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه للفقه.
وعن هشام بن عبيد الله الرازي:
من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه.
و بعد هذا العرض في تبيان جليا على المحجة البيضاء ، يبدو لنا أهمية المذاهب الفقهية الأربعة في حياة التشريع الإسلامي كي تتوقف مثل تلك الدعاوى فترة مقصودة لطمس جهودهم و ظهور جماعة بعينها تتصدر وجاهة الفقه و إقصاء الآخرين بحجج واهية تصدى لها فقهاء و علماء أفذاذ فلا تركنوا لمثل هذا الفكر المتجمد الذي يضر ثوابت مستقرة تنبع من الكتاب و السنة دائما ٠
و على الله قصد السبيل ٠
و للحديث بقية إن شاء الله ٠


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق