الثلاثاء، 14 فبراير 2023

الحلم الأسير / بقلم / عمار بوخروفة

 بغداد الحلم الأسير

بسم الله الرحمن الرحيم
مسرحية
تأليف عمار بوخروفة
إلى كل الذين لم تصدأ قلوبهم بحب بغداد إلى كل عربي حر يؤمن بأن رفع الذل عن بغداد واجب مقدس ... أرفع هذا الكتاب
مقدمة
بغداد الحلم "الأسير" مسرحية من ثلاثة فصول للكاتب المسرحي عمار بوخروفة تحكي قصة سقوط بغداد بأيدي "الغزاة" الذين جاؤوا بالديمقراطية المزعومة للشعب العراقي بغية إحتلال المدينة المقدسة بغداد' و الاستيلاء على ثرواتها .كما لا ننسى الدور الذي لعبته المخابرات الإسرائيلية قبل وبعد سقوط بغداد .
المسرحية أو الرواية التي أردتها في البدء و بدأت في كتابتها على هذا الأساس و لكن قلمي يأبى ذلك فهو دائماً يحاول مغازلة الرواية في البدء ثم يحيد عنها ليعتنق المسرح. لذلك فأنا دائماً أحاول اختيار أسلوب فريد من نوعه يجمع بين الرواية و المسرح في آن واحد.
و الغريب في الأمر إنه من يقرأ كتاباتي المسرحية يقول أن كتاباتي كلها قريبة من الرواية و ليست للمسرح غير أني كلما حاولت أن أكتب رواية أجد قلمي يخرج عن أسلوب الرواية ليعانق أسلوب المسرح الذي هو هوائي الذي أتنفسه و ما ئي الذي أشربه فما أظنني استطع العيش دون وجود الماء و الهواء في حياتي.
عمار بوخروفة
عنابة في : 01/02/2007
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
المشهد الأول :
يرتفع الستار تكون الإضاءة ضعيفة، حيث يبدو المشهد و كأنه ليل، في وسط المسرح تظهر ربوة أمامها تربع شاب بثياب عربية تظهر على وجهه ملامح الأسى و الحزن الشديد حيث تظهر أمامه أيضا مجموعة من أقداح الخمر، فيبدأ في تجرعها الكأس تلو الأخرى فما يكاد يفرغ الأولى حتى يرفع الثانية إلى شفتيه. و هو على تلك الحالة يسمع صوتاً هاتفاً وراء الستار
أين أنت يا شعيب أين أنت يا شعيب ؟
شعيب : إنني هنا يا قصي تعالى اقترب فأنا وحدي لا تخف
(يظهر بعد ذلك قصي)
قصي : أين أنت يا رجل و أين اختفيت فمنذ يومين و أنا ابحث عنك فلم أجدك.
شعيب : "ينهض متمايلاً و الكأس في يده" دعني و شأني يا رجل فما حصل للملك و الأميرة جعلني أنبذ لقاء أحد ....
فما أريده الآن هو معانقة النسيان حتى أستطيع أن أتذوق طعم الراحة يا رجل.
قصي : ما حصل يا شعيب كان لا بد أن يحصل منذ زمن بعيد فلا تلقي اللوم علي و لا على نفسك.
شعيب : "يقترب منه أكثر" كيف تقول ذلك و نحن من خان الملك و أطاح بعرشه .
قصي : أنت تهذي يا صاح فما كان لنا علاقة بذلك بل هي الأقدار التي سطرت لذلك.
شعيب : الأقدار هي التي سطرت لذلك بل هي الخيانة يا رجل التي أطاحت بالملك و الأميرة معاً
قصي : أصمت يا رجل أو تريد هلاكنا .
شعيب : أريد أن اهلك و أموت مرة واحدة خيرًا لي من الموت في اليوم ألف مرة .
قصي
بعد أن يضع يده على كتف شعيب) أشفق على نفسك يا رجل و لا تجعل من أمر الإطاحة بالملك أمراً جللا.
شعيب : "بنبرة غضب" ويحك يا قصي كيف ترى أمر الإطاحة بالملك و الأميرة أمراً هينا .
قصي : لا تنسى أن الملك ارتكب عدة أخطاء في حق رعيته و شعبه، فلا داعي أن أذكرك بتلك المجازر التي ارتكبت في حق أبرياء عزل لا حول ولا قوة لهم.
شعيب : أو مازلت تعتقد أن الملك هو من أمر بقتل نفر من قومك يا قصي.
قصي : بل أنا على يقين بأن جند الملك هم من فعلوا ذلك و بأمر من الملك نفسه .......
شعيب : آه ! إنه الحقد إذاً إنه ذاك الحقد الدفين الذي سكن قلبك و قلوب عشيرتك التي أرادت قتله عندما جاءكم زائراً أو ما يكفيكم إنه عفى عنكم يومها.
قصي : إن ملكاً مثل الملك حسين لا يعرف قلبه معنى العفو يا رجل كانت يداه تبطش حتى بأقرب الناس له.
شعيب : أو تنكر أن الملك عفى عنك و عن قومك يومها يا قصي.
قصي : لم يكن للملك يد في ذلك كان تدخل الأميرة هو الذي أثلج صدر الملك و جعله يعفو عنا يومها.
شعيب : الأميرة يعني الملك يا قصي فإن كان في نية الملك قتلكم فما كان ليثنيه عن فعل ذلك احد.
قصي : و لكننا نعرف جيداً أن الملك حسين ما كان ليعفو عن أحد تأثراً بكلمات الأميرة يومها، و إنما لحاجة في نفسه كان يخشى عواقبها.
شعيب : و مما كان يخشى الملك يومها.
قصي : كان ما يخشاه الملك يومها هو تكالب العشائر و خروجها عن طاعته.
شعيب : و هل تجرأت تلك العشائر بأن تخرج عن طاعة الملك حسين ؟
قصي : تلك العشائر كانت تعرف بولائها الشديد للملك قاسم الذي أطاح به الملك حسين.
شعيب : "نبرة غضب" و من قال أن الملك قاسم قد أطاح به الملك حسين.
قصي : هذا ما تمضغه الألسن إلى حد الساعة.
شعيب : تلك الألسن تستحق القطع. ألم يكن الملك حسين صديقاً حميماً للملك قاسم ؟
قصي : تلك الصداقة أفسدها الطمع في العرش ...
شعيب : لم يكن الملك حسين طامعاً يومها في العرش و لكن الملك قاسم هو الذي تخلى له عن العرش بمحض إرادته.
قصي : و هل يعقل أن يتخلى ملكاً عن عرشه بمحض إرادته ؟
شعيب : لقد فعلها الملك قاسم و تخلى عن العرش لصديقه الملك حسين !!
قصي : لكن لماذا ؟ لابد إنه كان في الأمر سراً أخفاه الملك عن من في القصر.
شعيب : هذا صحيح فحتى أنت لم تكن لتعرف ذلك بالرغم من أنك كنت من المقربين للملك قاسم.
قصي : "يقترب أكثر من شعيب" و ما كان السبب في ذلك حتى يتخلى الملك قاسم عن عرشه للملك حسين.
شعيب : "يضرب على كتفه" الملك قاسم كان عليلاً و به مرض لا يرجى منه شفاء و لما أحس بدنو أجله فضل أن يتخلى عن العرش و يجلس الملك حسين مكانه.
قصي : "في حيرة من أمره" و كيف عرفت أنت كل هذا و لم تأتي للقصر إلا بمجيء الملك حسين
شعيب : أخبرني بذلك الحكيم بركة فلقد كان يسر إلي ببعض الأمور.
قصي : الحكيم بركة ! ذاك الحكيم الأحمق الذي قال يومها للملك أن ذنب الخيانة ذنب لا يغتفر و فضل قتلنا لولا تدخل الأميرة.
شعيب : (باستهزاء) الحكيم بركة رجلاً أحمق ! فهذا الأحمق هو الذي أشار على الملك بأن يجعلك حارساً خاصاً للقصر إلى جانبي أيها المغفل.
قصي : و لكنني كنت اطمح في أكثر من كوني حراساً أميناً للقصر.
شعيب : أعرف جيداً طموحك يا قصي أعرفه جيداً فلطالما كنت دائم الطموح بالعرش و الفوز بقلب الأميرة "بدر البدور".
قصي : و لما لا ألست إنساناً و لدي مشاعر ؟
شعيب : ها قد اعترفت بأنك أنت من كنت طامعاً في العرش، لهذا كنت تحاول دائم التودد للأميرة و لما رفضتك لجأت للتآمر على الملك و أهله.
قصي : نعم أنا لا أنكر ذلك فلطالما كنت متيماً بحب الأميرة بدر البدور، و لكنها كانت دائماً ترفضني و تراني صغيرا في نظرها.
شعيب : "بنبرة غضب" و يحك يا رجل أو تجاهر بهذا دون حياء كيف سولت لك نفسك بهذا اللغو على أميرة البلاد.
قصي : ألست إنساناً و لدي مشاعر و أحاسيس، أولا يحق لإنسان مثلي التفكير في أميرة مثل بدر البدور .
شعيب : كلا و الله لن تكون الأميرة لك و لا لغيرك يا حسين.
فالأميرة ما فكرت يوماً بأن تكون لأحد.
قصي : و لكن لماذا ؟ أليست الأميرة بشر مثلنا تحمل بين ضلوعها قلباً ناصعاً يأسره العشق ويكبله الهوى ؟ أم أنها تراني أقلها شأناً كونها أميرة البلاد و إبنة ملك.
شعيب : بلى إن لها قلباً ناصعاً يأسره هوى شعبها و أرضها الطاهرة التي وهبتها جمالها و حياتها ورفضت الزواج من كل الملوك الذين تقدموا لخطبتها .
قصي : و أين هي الآن ؟ لقد حولها غرورها من أميرة إلى أسيرة لا تجد حتى من يفك قيدها ويرفع عنها الذل و الهوان.
شعيب : "بصوت عال" و يحك يا قصي أيصل بك الحقد على أميرة البلاد بأن تشمت بها وتفرح لمصيرها .
قصي : لست بالشامت و لكني مستغرب لأمر أميرة البلاد كيف فضلت أن تكون أسيرة ملك الفرنجة "بارخام" دون أن تقبل بالزواج به.
شعيب : و لن تقبل يا قصي حتى و إن قطعها الملك بارخام إرباً إربا.
قصي : و لماذا ؟ ألم يكن الملك بارخام صديقا للملك حسين ... و كان هو أيضاً ميتيماً بحب الأميرة بدر البدور و طلبها بنفسه من الملك حسين.
شعيب : "بصوت عال" كلا و الله لم يكن الملك "بارخام" يوماً صديقاً للملك حسين و ما كان متيماً بحب الأميرة بدر البدور و إنما كان قلبه يخفق لما تملكه الأميرة من كنوز و نفائس.
قصي : بل أنا على يقين بأن الملك "بارخام" كان متيماً بحب الأميرة "بدر البدور" فلعمري ما رأيت رجلاً أحب إمرأة كحب الملك بارخام للأميرة "بدر البدور".
شعيب : إن ملكاً مثل الملك بارخام ينتحر الحب عند عتبة قلبه و تموت العاطفة في وجدانه وروحه ... فمثله لا يعرف الحب يوما ... و لن يعرفه أبداً .
قصي : لا جدوى من المراوغة يا شعيب فمع مرور الوقت فسوف ترضخ الأميرة "بدر البدور" للأمر الواقع و تقبل بالملك "بارخام" زوجاً لها.
شعيب : أما هذا فنساء مثل الأميرة "بدر البدور" حكم عليهن الدهر بعدم الاستسلام و بعدم الرضوخ.
قصي : لا تكابر يا شعيب فلقد انتهى كل شيء و أصبح الأمر كله بين يدي الملك "بارخام" الأميرة، القصر، حتى جنود الملك حسين أصبح جلهم في قبضة الملك بارخام فلم يبقى إلا أمر الملك حسين الذي حير اختفاء المفاجئ بارخام و حاشيته .
شعيب : "ينظر إليه باستغراب" أو تدرك مغبة ما فعلت ؟
قصي : ما فعلته كان لأجل الوصول للعرش و تغيير نظام بات يطبق على أنفاس الرعية و أثقل كاهلها لسنوات فلأجل العرش يهون كل شيء ...
شعيب : (باستهزاء) أو تظن أن الملك بارخام سوف يتخلى لك عن العرش هكذا و بهذه السهولة حتى و إن كنت أنت من ساعده في ذلك.
قصي : بل أنا على يقين يا شعيب أن العرش سوف يكون لي يوماً ما ... فأنا أعرف الملك بارخام أكثر منك فما كان يهمه الجلوس على العرش فأكثر ما يهمه هو قلب الأميرة بدر البدور.
شعيب : قلب الأميرة بدر البدور ! ذاك القلب الذي انشطر إلى أربعة أقسام شطر يتألم للآلام للسنة و شطر يتألم للآلام الشيعة و شطر يتألم للآلام الأكراد و شطر يتألم لآلام العرب، فأي شطر يبحث عنه سيدك يا قصي ؟
قصي : أدرك أن الرعية قد انقسمت و تكالبت على بعضها البعض ... و لكن هذا الوضع ماهو إلا مؤقت ولن يدوم طويلا.
شعيب : أرى أن المستفيد الوحيد من هذا الوضع هو بارخام و جنوده ... فلم يبقى من يتصدى له سوى الجيش السري للأميرة.
قصي : هذا إذا لم تكن قد ضعفت شوكته و اهتزت صلابته بعدما حصل للأميرة و الملك حسين
شعيب : "يرتشف من كأسه ثم ينبه إلى قصي و كأنه تذكر شيئا".
حسين ! حسين !
قصي : ماذا تريد ؟
شعيب : ما يحدث الآن ما هو إلا تفسير لذاك الحلم الذي طالما اقلق الأميرة "بدر البدور" في مضجعها و سرق النوم من أجفانها.
قصي : "بحيرة" عن أي حلم تتحدث ؟
شعيب : عن ذاك الحلم الذي عجز أكبر المفسرين عن تفسيره، و لم يجدوا له إلا عبارة واحدة "أضغات أحلام".
قصي : أراك تحدثني بألغاز لا أفهمها فقلي بربك أي حلم هذا الذي اعجز فقهاء القصر عن تأويله .
شعيب : عن ذاك الطائر الأسود الذي يحجب نور الشمس عن الأميرة و دماء الرعية التي ...
قصي : أكمل لماذا سكت.
شعيب : أظن أنني نسيت ذاك الحلم الذي طالما سمعته مراراً من الأميرة "بدر البدور"، و هي ترويه أمام الملأ و في مجلس الملك حسين.
قصي : فما أنساك حلمك إلا هذه الكأس التي لا تحب مفارقتها.
شعيب : "ينظر إلى الكأس في يده" ليتها تستطيع أن تنسيني ذنب الخيانة الذي اقترفته في حق الأميرة و الملك حسين.
قصي : ها قد عدت للخوض في هذا ثانية يا شعيب أنت لم تدرك بعد أن كل شيء قد انتهى.
شعيب : هذا ما تراه أنت يا قصي .
قصي : "ينظر إلى السماء" يبدو أن الفجر بدأ في اختراق خيوط الظلام فلم يعد جدوى من بقائي هنا معك.
شعيب : أو تظن يا قصي إنه سوف يبزغ فجر على الأميرة "بدر البدور" ؟
قصي : بل أنا على يقين بأن فجر الغد سوف يكون أفضل لنا و للرعية جمعاء.
شعيب : ربما ... ربما ... ربما يا قصي يقول هذا و هو عائد إلى أقداحه و نبيذه في تلك اللحظة يخرج حسين من المسرح تنقص الإضاءة شيئا فشيئا و شعيب على تلك الحالة و ينزل الستار وينتهي بذلك المشهد الأول.
المشهد الثاني
يرتفع الستار تكون الإضاءة قوية جداً، الديكور الموجود فوق خشبة المسرح يمثل قاعة عرش الملك حسين، حيث يظهر كرسي العرش في أبهى حلة و أحلى صورة، حيث طرزت حواف كرسي العرش بخيوط من الذهب الخالص، السجاد الذي وضع أمام كرسي العرش عبارة عن سجاد ذو لون أحمر طرزت حوافه بخيوط من الذهب الخالص أيضا، أما وسط السجاد حيث يمشي الملك حسين زين بنقوش مختلفة لطيور جارحة و نسور.
يرفع صوت الموسيقى عالياً معلنة عن قدوم الملك حسين إلى قاعة العرش، بعد ذلك يسمع صوت الحاجب هاتفاً .
الحاجب : صاحب الجلالة الملك حسين ! عندما يسمع صوت الحاجب يستقيم كل من في قاعة العرش، حيث يظهر على الجهة اليمنى لكرسي العرش الحكيم بركة، رجل مسن يغلب على لباسه اللون الأبيض، حتى وجهه الذي لم يبقى منه سوى عيناه الصغيرتان و الثاقبتان التي تنم على الحكمة و الوقار لحيته البيضاء التي تتدلي حتى تكاد تخفي عنق الرجل ذو الجسم النحيل و القامة الطويلة التي تنافس قامة الملك حسين .
عندما يسمع صوت الحاجب يستقيم كل من في قاعة العرش واقفاً، حيث يظهر الملك حسين مترجلاً وسط جمع من حرسه الخاص.
يصل إلى كرسي العرش و بعدما يجلس يلوح بيده لمن في بلاطه بالإستقامة فيستقيموا عدى نفر من القوم ليسوا بكثير غلب على لباسهم العربي السواد.
ينظر إليهم الملك حسين بنظرة ثاقبة تدل على التهديد و الوعيد تنم على أن القوم ارتكبوا جرماً في حق ملكهم ثم يبدأ بالكلام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق