غزاة الأحلام
للكاتب عمار بوخروفة
الاسم المستعار جمال جي جي
غزاة الأحلام قصة مهداة للأطفال ضحايا الحروب
أشرق فجر يوم جديد على قرية الأحلام، بكل ما يحمله من حزن وألم، وبدأ القرويين يخرجون من بيوتهم ويسعون إلى أعمالهم اليومية المعتادة، إلا أن ياسمين لم تكن قد استيقظت بعد، كانت نائمة بين ذراعي أمها كالملاك، وأخذت تردد نفس الكلمة:
- عودي يا سارة! عودي يا سارة! عودي يا سارة!
أيقظت كلمات ياسمين أمها من نومها العميق، فهزتها برفق وقالت:
- استيقظي يا عزيزتي، يبدو أن هذا الكابوس المخيف الذي يلاحقك منذ موت صديقتك سارة قد عاودك مرةً أخرى.
عندما استيقظت ياسمين من حلمها الجميل، وجدت أمها بجوارها على السرير، فنظرت إليها بدهشة وقالت:
- أين هي؟
سألتها أمها:
من هي يا حبيبتي؟
- سارة يا أماه!
- يا حبيبتي سارة في الجنة مع الملائكة، لقد اختارها الله هي وأرواح الأطفال الذين عانوا في هذا العالم ليلتحقوا بالرفيق الأعلى، حيث لا يوجد حرب ولا حصار ولا شر.
- ولكن سارة وكل الأطفال كانوا معي في مملكتي يا أمي، لقد رأيتها وتحدثت إليها.
- وأين رأيتها بالضبط يا عزيزتي؟
- أجابت ياسمين، في مملكة الأحلام يا أمي، في مملكتي أنا وسارة التي لطالما أخبرتك عنها.
- لقد قلتيها بنفسك، مملكة الأحلام، مجرد حلم يا عزيزتي.
- لا يا أماه لم يكن حلمًا على الإطلاق، أنا بنيت هذه المملكة بالفعل مع سارة، حتى أنتِ يا أمي رأيتك في المملكة.
سألتها أمها:
- حتى أنا؟ وماذا كنت أفعل في مملكة بنيت خصيصًا للأطفال؟
- لقد كنتِ أنتِ من دل رسل مملكة الشمس على الطريق إلى مملكتي، كما رفضني أن تدلي الملك والكر على الطريق.
- الملك والكر؟ ولكن حسب علمي فإن والكر ليس ملك!
- نعم ملكًا على مملكة الظلام يا أماه! لقد أراد أن يدمر مملكتي ويجعل أطفال مملكتي جنودًا متعطشين للدماء مثله. ولكن رسل مملكة الشمس وعدوني بأن يجعلوا قلوبهم وأرواحهم عرشًا أبديًا للسلام.
سألتها أمها:
- تريدين القول بأن السلام يتواجد في قلوب الكبار أيضًا؟
- نعم يا أماه، فمنذ هذا اليوم لن يصبح هناك حرب ولا حصار ولا شر، وسيتربع السلام على قلوب كل البالغين.
- أتمنى حقًا يا حبيبتي أن يجد السلام طريقه إلى قلوب كل الناس.
- اليوم هو يوم جديد يختلف عن كل الأيام الماضية، سيشهد اليوم ميلاد السلام في قريتنا وفي كل أنحاء العالم. بدءًا من اليوم يا أمي سأعود إلى المدرسة، وسأنسى كل الأحزان والأيام القاسية في حياتي.
قالت الأم:
- هذه أخبار سارة حقًا، صغيرتي ياسمين ستعود للمدرسة، تعالي ياعزيزتي سوف أساعدك في ترتيب أدواتك المدرسية.
ظهرت ياسمين بعد ذلك مختلفة تمامًا عن الليلة السابقة، وهي ترتدي زيها المدرسي البسيط وتحمل على ظهرها الحقيبة المدرسية، وعندما رأت الام الحماس باديًا على طفلتها الصغيرة رفعت كفاها ناحية السماء وقالت:
- للهم يا مفرجا الكرب وغافرا لذنب احم ابنتي ياسمين من كل سوء واحم قريتنا من الطامعين والغزاة وارفع عنا هذا الحصار الذي جلب لنا الفقر والدمار.
وقبل أن تغادر ياسمين طبعت قبلة حارة على خد أمها وقالت:
- منذ هذا اليوم لا أريد رؤية الدموع على خدك يا أماه، لقد بكيتي بما فيه الكفاية على موت أبي وجدي. فما أريده منك الآن أن يكون لديك ثقة في المستقبل القريب الذي سوف يمن علينا بنفحات السلم التي سوف تهب علينا وتملأ قلوبنا إيمان وطمأنينة.
- ولكن يا حبيبتي هذه الدموع هي دموع الفرحة، لأني أراك عائدة إلى حياتك الطبيعية.
قطعت ياسمين طريقها متوجهة ناحية مدرسة الحرية في قرية الأحلام، وبدأت الأم تفكر في حلم طفلتها الصغيرة:
- إنها حقًا رمز البراءة، تظن أن حلمها حقيقة وأن السلام سيجد طريقه إلى قلوب البالغين، أتمنى أن تجد طفلتي السلام يوما ما حقًا.
وقبل أن تنهي فاطمة جملتها دوى صوت انفجار شديد انتزعها من أفكارها، فقفزت من موضعها على الفور وهي تصرخ:
- يا إلهي، إنها غارة، ربنا يقصفون مدرسة الحرية مجددًا، يا إلهي، ياسمين، ياسمين ...
أحست فاطمة أن الزمن توقف بها، ولم تدر ماذا تفعل، أخذت تقطع غرفتها الصغيرة جيئًا وذهابًا، كانت تود أن تعرف إن كان القصف قد طال مدرسة الحرية أم لا، ولكنها في الوقت ذاته كانت تخشى من الحقيقة، أرادت أن تحتفظ بالأمل الصغير الذي يراودها، وبخارج المنزل تجمع القرويين مسرعين لمعرفة الأضرار الناجمة عن تلك الغارة الجديدة.
وبعد دقائق اقترب رجل من المنزل يحمل جثمان ياسمين الصغيرة بين ذراعيه وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وقال لفاطمة:
- هذه ابنتك يا أختاه، كانت بين ضحايا الغارة الوحشية، لم ترغب بالبقاء في المستشفى مع الضحايا الآخرين، أرادت أن تتحدث معكِ قبل أن تغادر هذا العالم.
أخذت فاطمة ابنتها من بين ذراعي الرجل وقالت:
- لا تتركيني وحدي يا حبيبتي كما تركني أبيكِ من قبل، أرجوكِ يا عزيزتي لا تتركيني وحدي في هذا العالم الظالم المتعفن، لا أستطيع أن أحيا دونك يا صغيرتي.
في محاولة أخيرة فتحت ياسمين عينيها وقالت:
- أعرف أنه كان مجرد حلم جميل يا أماه، ولكنه بدا لي حقيقة، لأني أحببت فعلا أن يجد السلام طريقه لقلوب الكبار.
- لاتتكلمي كثيرا يا عزيزتي حاولي أن تقاومي،أنا أعلم أنك سوف تنجحي تمسك فقط بالحياة وسوف ترين كيف تستطيعين التغلب على الموت لوحدك. قاومي فقط أرجوك أن تقامي فقط ياعزيزتي.
- لاأحد يستطيع الهرب من الموت يا أماه، ولا أحد يستطيع رفض نداءه، إنه يناديني الآن لألتحق بسارة وبالأطفال الأبرياء، دعيني أرحل يا أمي بدون أن أرى الدموع في عينيك.
- حسنا يا عزيزتي سأتوقف عن البكاء، ولكن عليكِ أن تتوقفي عن الحديث أيضًا.
قدمت ياسمين زهرة بيضاء جميلة إلى أمها وقالت:
- تعرفي يا أماه، هذه واحدة من الزهور التي اعتادت سارة على قطفها لتقديمها إلى السلام في اليوم الذي يزورنا فيه، احتفظي بها يا امي واعتني بها جيدًا، فربما يزور السلام قريتنا. ليس لدي المزيد من الوقت، سارة والأطفال ينادونني، يجب أن أغادر الآن.
لقد عثرت ياسمين أخيرًا على العالم الذي بحثت عنه طوال حياتها، لقد عثرت على مملكتها أخيرًا بعيدًا عن حروب الكبار وصراعاتهم، حيث لا يوجد مكان للحرب ولا الحصار ولا قوى الشر.
حملقت فاطمة طويلًا في جثمان طفلتها الصغيرة ياسمين، ثم انفجرت في الضحك بصوت عالي وهي تقول:
- تعرفين يا عزيزتي، لم يكن الموت من أخذك بعيدًا عن أمك الحبيبة، أنا أعرف من هو حبيبتي، هل ترغبين في معرفة اسمه؟ لا، لا تبكي أمام أمك يا حبيبتي! سأخبرك عن اسمه ولكن توقفي عن البكاء أمام أمك. آه! عزيزتي ياسمين ترغب في معرفة اسم قاتلها، القصف هو من قتلك يا عزيزتي، لا الموت. لا لم يكن الموت، فالموت لا مثالنا، إنه سلام وطمأنينة. انتظريني يا عزيزتي، لا تغادريني سريعًا، سأنتقم لكِ، لا تقلقي سأعود سريعًا.
أخذت فاطمة عصاة خشبية وغادرت بيتها قائلة:
- تعالا هنا أيها القصف اللعين، يا قاتل الأطفال وسارق أحلامهم، أرني نفسك فأنا لا أخاف منك.
أطلقت طائرة حربية قذيفتها بالقرب من فاطمة، عادت المسكينة إلى بيتها بجسد تغطيه الدماء، وأخذت تزحف حتى وصلت إلى جثة طفلتها وقالت:
- انتظريني يا حبيبتي، لا تذهبي بدوني، سآتي معك، سأذهب هناك حيث لا يوجد حرب ولا حصار ولا شر.
أغمضت عينيها للمرة الأخيرة لتلتحق بالعالم الذي وصفته سارة لياسمين. المرأة المسكينة وطفلتها وجدتا أخيرًا عالم السلام مع الزوج والأب وسارة، حيث لا يوجد مكان للحرب ولا للحصار ولا لقوى الشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق