الأحد، 26 فبراير 2023

من يسرق أحلامنا / بقلم / علي الشافعي

 من يسرق أحلامنا

مقالة بقلم علي الشافعي
نسمع ونري ونقرأ ــ أيها السادة الكرام ـــ عن كثير من السرقات من كل الأنواع والأجناس والأشكال والألوان , من سرقة بيضة أو رغيف خبز لإشباع بطن جائعة , إلى سرقة الأفكار وإنجازات الغير , أو سرقة عرق الفقراء والمساكين المسحوقين وقوت يومهم , إلى سرقة مقدرات الوطن وتهريبها إلى بنوك بني الأصفر والأخضر والأزرق . وقد تُسرق أوطان وقد تباع , ويسمسر عليها ويتاجر بها و بشعوبها . وحد السرقة معروف , وإن كان لا بطبق إلا على المطحونين الذين يسرقون لإطعام أبنائهم , بدلا من أن يطعموهم من حاويات القمامة , أو يقتلوهم إذا لم يقدروا على إشباعهم , كل هذا سمعنا عنه وقرأنا .
أما الذي ما سمعنا به في آبائنا الأولين: فهو سرقة الأحلام والآمال والطموح . هل هناك سرقة تسمى سرقة الأحلام والآمال ؟ وكيف تكون؟ ما رايكم أن نتحرى واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي , فقد نجد الإجابة على سؤالينا السابقين , ثم بعد ذلك نحكم هل هذه تسمى سرقة أم لا , وما عقاب السارق في مثل هذه الأحوال . أقول : صلوا على سيدنا أبي القاسم :
المشهد الول ـــ يا دام عزكم ـــ : فتاة كإشراقة الصباح في عمر الزهور , تصفف خصلات شعرها وتلبس مريولها وتحمل كتبها , وتنطلق إلى مدرستها كفراشة لعوب , تطير بخفة من روض إلى روض , ومن زهرة إلى زهرة , سعيدة لا تفارق البسمة شفتيها , تحلم بحياة ملؤها التفاؤل , والأمل بغد مشرق , تنهي فيه دراستها , وتتخرج من جامعتها لتخدم في وطنها , ثم تحِب وتُحَب وتتزوج , وتنجب البنين والبنات , وتربيهم خير تربية , فلا ينحنون الا لله , صالحين فاعلين في خدمة أوطانهم ,عفيفي النفوس , لا يعرفون الكذب أو الغش , ولا الخداع أو السرقة . تعود من المدرسة لتجد الزغاريد في انتظارها , هي لا تعرف السبب , فتقول لها أمها : مبروك يا حبيبتي مبروك , جاءك السعد والهناء , في الداخل عريس قادر ومقتدر , سيجعلك ست الستات . قد يكون العريس الموعود الذي لم تلد مثله الولادات ضعف سنها , إن لم يكن من جيل والدها , رجل أنعم الله عليه فاستغل ذلك في إغراء الأهالي بالمال لتحقيق نزواته وشهواته .
لا تعطى المسكينة الفرصة لقوْل رايها , وهي وليست أصلا في سن يسمح لها بذلك , لتجد نفسها في نهاية المطاف تساق كالشاة إلى المجزرة . وقد شاهدت وسمعت وقرات كثيرا عن مثل هذه الحالات , أذكر منها الطفلة اليمنية التي تناقلت وسائل الإعلام قصتها , فهي في الحادية عشرة زوجت برجل تمانيني فاستشهدت ليلة زفافها . أليس هذا بالله عليكم سرقة للأحلام وسحقا للطفولة ؟
المشهد الثاني : طفل في مقتبل العمر , يحلم بمستقبل واعد , مجد ومجتهد تضطره ظروف أهله إلى ترك المدرسة , ليعمل صبيا في إحدى الورش , ليكسب دراهم معدودة , يساعد في إطعام بطون خاوية , فتكون النتيجة ضياع مستقبله وأحلامه وآماله وطموحاته , إضافة إلى تعلمه على صغره لغة الورش والأسواق , رغم أن القوانين تمنع عمالة الأطفال , لكنها لا تضع بديلا لذلك . تصوروا ــ رحمكم الله ــ طفلا بين مجموعة من الكبار , أين ذهبت طفولة وأحلام وتطلعات هذا الغلام , وكف سلبت؟
المشهد الثالث : شاب طموح نبيه مجد مجتهد باحث عالم , يُقدّر له إنجاز بعض الاختراعات التي تفيد الوطن وترفع اسمه عاليا , في عصر العلم والتكنولوجيا والاختراعات والاكتشافات , فيساوَم عليها , ويجد من العراقيل الشيء الكثير ولا ينال براءة الاختراع , بل يقاوَم ويحاسب ويعاقب ويغيّب عن وسائل الإعلام , فيدفن حلمه ويقتل طموحه , أو يهِّرب اختراعه ويهرب للخارج ليُبتزَ أيضا هناك , فمن لم يحمه وطنه ولا يكون حنونا عليه , لا يعطف عليه الغرباء . فيُقضى على طموحاته وأحلامه .
مشهد رابع : رجل أعمال طموح مجد , يريد أن ينفذ مشروعا اقتصاديا في وطنه , يشغّل فيه عددا من طوابير العاطلين عن العمل في وطنه , ويبيع السلعة لأبناء الوطن بنصف ثمن المستورد منها , فيتعارض ذلك مع أطماع المستفيدين المتنفذين , فيقفون له مثل اللقمة في الحلق , وتوضع أما مه عراقيل الترخيص , واستيراد المواد الخام مما يجعله يغادر البلد بأمواله , ليستثمرها في بلد مستقر , يرحب باستثماراته . فكم من مشاريع في بلاد بني عرب لم تنفذ بسبب الروتين والبيروقراطية , والعراقيل المقصودة وغير المقصودة . فهل سرق طموح هذا الرجل ؟ وهل يعاقب السارق ؟
ما رأيكم ــ يا دام مجد آبائكم ــ أن ندخل في العمق قليلا , يا خوفي من الحديث في العمق , لنري أين سيودي بنا , على كل لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .
المشهد الاول : حاكم تسلط على رقاب شعبه , يقول لهم : إما أن أحكمكم أن أذبحكم , ولا خيار عندي ولا فقوس , الكل سواسية في الجرم و في العقاب . فكم قتل وكم عذّب وكم شرّد , وكم هدّم وكم سبا وكم ارتكب من المجازر , سرق وباع مقدرات الوطن وأنفقها على الغواني في مواخير السياسة . ليجد الوطن نفسه أسير قوى أجنبية تسيره كيف تشاء.
مشهد ثان : حاكم يخوض حربا رعناء لم يخطط لها تودي بالوطن , ثم يتنصل من تبعات ذلك , ويقول : هي نكسة أراد العدو الإطاحة بي فلم يقدر , لذلك هو المهزوم ونحن المنتصرون . وسنرد له الصاع صاعين . ويرد الصاع خمسة ولكن لأبناء الوطن . ويبقى العدو يصول ويجول .
مشهد ثالث : شعب بكامله يجد نفسه بين عشية وضحاها بلا مأوي , الكل تآمر عليه , والكل حاصره وساند محاصريه , والكل يبتعد عنه ويتنصل منه كبعير أجرب . اليس هؤلاء جميعا مسؤولون ساهموا في سرقة أحلامه وآماله , أعملوا خناجرهم في ظهره كي لا يُسمع صوته . والطامة الكبرى أن هؤلاء هم ـــ بتخاذلهم ورعونتهم وسوء تخطيطهم ــ السبب المباشر في عذابات هذا الشعب , ثم يتنصلون من تبعات ما حل بهم من الهزائم , ويتربعون على عروش ورثّها لهم الآباء والأجداد , فهم المالكون لرقاب هذه الشعوب .
في طفولتنا كنا دائما نردد نشيد بلاد العرب أوطاني , ونحلم بالوحدة العربية من محيطها إلى خليجها , وكبُرنا لنري الفرقة تزداد يوما بعد يوم , ليجد الواجد منا نفسه يقف بالساعات على شباك ختم الجوازات , ليعْبُر من بلد عربي لآخر . في وقت يجوب مواطنو دول الاتحاد الأوروبي كل دول الاتحاد بالهوية فقط . ألا يعتبر هذا سرقة لحلم أمة انتظرت وحدتها قرنا من الزمان وما زالت تنتظر . من يسرق هذه الاحلام ؟ ومن يقتلها ؟
ل أقوــ أيها السادة الكرام ــ هل حقا سرقت أحلامنا ؟ وهل يحاسب القانون من .يسرق الأحلام ؟ طابت أوقاتكم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق