الزائر المنتظر
خاطرة بقلم علي الشافعي
يزورنا هذه الأيام ــ يا دام سعدكم ــ ضيف عزيز على قلوبنا , طالما انتظرنا قدومه وتمنيناه , ضيف يحمل معه بشائر الخير والبركة الغلة والنماء لعام قادم , زائر تشتاق اليه الأرض كشوق التائه في الصحراء لشربة ماء,
يشتاقه أهل الحضر وأهل المدر وأهل الوبر , إنه الزائر الأبيض .
أهلا بك أيّها الزائر الجميل , أهلا بك أيها الزائر الزهيّ الصفيّ النقي البهيّ ، مرحباً بك على امتداد رقعة الوطن الحبيب، يا نبع الخير وفيض العطاء والبركة. مرحباً بك أيّها القادم حاملاً الوعد بموسم زراعي وفير؛ ينبت الزرع ويملأ الضرع ويربِّع الإنسان والحيوان , يخضر الشجر ويلمع الحجر , ويونع الثمر ويسعد البشر . وقعْتَ في قلوبنا موقع الغائب الغالي المنتظر. (على الطائر الميمون يا خير قادم). ولكن ــ يا دام عزّ آبائكم وأجدادكم ــ اعتدنا تضخيم الأمور بغير سبب، ونجعل من الحبة قبة، ومن النملة فيلاً. كيف؟ أقول لكم بعد الصلاة على االحبيب المصطفى :
تبدأ الحكاية أولاً بوسائل إعلامنا المحترمة ، وفضائياتنا التي هي أكثر من الهمّ على القلب الترويج للموضوع، وتغطية الحدث أكثر من تغطياتها لحروب الأمّة ومآسيها، تقطع بثها المعتاد، وتأخذ ببث النشرات الجوية المفصّلة تفصيلاً مبالغاً فيه، لا يخلو عادة من التضخيم والتفخيم والتهويل والتشويق، ثم تقوم بالاتصال بمراسليها لنقل الحدث لحظة بلحظة، مع ملاحظة غياب هذه الوسائل عن كثير من الأحداث الجِسام. تبدأ بإسداء النصائح: ينصح بالاستعداد لهذا المنخفض بتخزين المواد الغذائية والمحروقات، ومن ثم ملازمة البيت وعدم الخروج إلّا للضرورة القصوى، ينصح بعدم إرسال الأطفال إلى المدارس خوفاً من نزلات البرد. وينصح وينصح..... ويستغل طلبة المدارس الفرصة للغياب عن مدارسهم عند نزول أوّل قطرة مطر..
طبعاً يخاف المواطن ويحسّ أنّ الأمر جد خطير، وأنّه سينقطع عن العالم مدّةً من الزمان، ولا بد أن يجهّز نفسه لهذه الظروف الطارئة، وتبدأ الطوابير على المخابز ومحلّات الخضار والبقّالات، ويسيل لعاب التجّار فترتفع السلع وتصبح ضِعف ثمنها، والمبرر شُحَّها في السوق بسبب الظروف الجوية. وتبدأ الازدحامات المرورية التي تذكرنا بليالي الأعياد، وهذه الازدحامات ربما تسبب بعض الحوادث المرورية لا قدّر الله.
يجلس الرجل والأبناء في البيت , وتبدأ الخلافات , هذا يريد مشاهدة المباريات على التلفاز , وآخر يريد المصارعة , وثالث سباق السيارات , وتلك تريد مسلسلا دراميا ,واخرى رومنسيا وثالثة الأغاني الحديثة , ورابعة وأفلام الآكشن , وتقوم الجلبة ويضج الأب ويصيح بأم العيال : تعالي سكتي الأولاد ,أريد أن أرتاح , ثم اطبخي لنا طبخة دفيئة واكثري الدسم , هاتي شاي هاتي قهوة تسالي الخ ... فتضج المرأة وتلعن المنخفض والساعة التي أعلن فيها عن اقترابه , كل شيء على رأسي انا , ويبدأ التبرم والغضب والدعاء من قبل ربات البيوت أن لا يعيده الله علينا , كلّ ذلك بسبب تساقط بعض الثلوج التي لا يزيد ارتفاعها في أفضل الظروف عن عشرين سم, وفي المرتفعات الجبلية العالية , ثم ينتهي الأمر بكثير من المواد الغذائية وربطات الخبز والفواكه في صناديق القمامة , هذه هي ثقافة الأزمات عندنا في كل مناسبة , زخة ثلج أو الأعياد أو الشهر الفضيل ( رمضان ). والمشكلة الكبرى إذا تراكمت بعض الثلوج أما بيوتنا نقوم بطلب مساعدة الدفاع المدني والشرطة , مع أنه يمكن إزاحتها بكل بساطة بمسحاة أو مجرفة , وأحيانا بالقدم .
أقول ــ أيها السادة الأفاضل ــ تنقل لنا وسائل الإعلام المرئية في الدول الأوروبية موجاتٍ من البرد تصل إلى أربعين درجة تحت الصفر , والثلوج تتراكم فتصل في أقل تقدير إلى المتر , وما سمعنا بتعطيل دراسة أو ارتباك في حركة السير، أو ازدحام على المخابز والمتاجر. لماذا عندنا نعطي كلّ شيء أكبر من حجمه؟ لست أدري. مع أننا أقلّ شعوب الأرض حرصاً على الحياة وتجنباً لمسببات الأمراض.
أكثر الله من المنخفضات الجوية في بلادنا، وجعلها برداً وسلاماً لى بيوتنا , ومواسم خير وبركة على ربوع بلادنا . صباحكم سعيد وخال من نزلات البرد والرشح والإنفلونزا. طابت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق