الرابحون والخاسرون
خاطرة بقلم: علي الشافعي
أعترف لكم ــ أيها السادة الأفاضل ــ أنني رجل أمي ,لا أفقه شيئا من أبجديات كرة القدم , فهي لا تستهويني ولا تروق في عيني ,ولا أفرق بين ضربة الجزاء والتسلل , والضربة المباشرة وغير المباشرة , ولا أعرف الحكم من حامل الراية , ولا أرغب في تعلمها , وإذا اضطررت لمشاهدة جزء من مباراة مجاملة لبعض أبنائي وأصهاري, فأجلس وصدري ضيق حرج كالذي يصعّد في السماء ,لا أدري هل هذا عيب فيّ أم مأثرة حباني الله بها , في زمن سيطرت الكرة على عقول الناس وقلوبهم ,لدرجة أن يصبح لاعب الكرة أشهر من فاتح الأندلس أو القسطنطينية , وتنفق على مرافقها المليارات, وتقام المدن الرياضية والملاعب المجهزة بكل التقنيات التي عرفها بنو البشر .
لكنني أعترف أن المباراة الوحيدة التي تابعتها في حياتي كلها مختارا كانت عام 1984, وكانت بدافع التعصب للعرب وذلك يوم تبارت المملكة العربية السعودية مع الصين في نهايات كاس آسيا , والتي انتهت بفوز المملكة العربية السعودية بهدفين نظيفين . ولكنني اضطررت لمتابعة كاس العالم هذا العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي ,بما تناقلته من لقطات ومشاهد طريفة , تثلج الصدر أحيانا وأخرى وتغث البال, وذلك بعيدا عن الإعلام وخاصة الإعلام الرسمي فبيني وبينه حساسية شديدة وريبة وترقب أو لنقل لقدان ثقة .
من خلال متابعتي ــ يا دام سعدكم ــ ومراقبتي للمشهد وجدت الرابحين ثلاثة : الأخلاق الشرقية عامة ’ والعربية الإسلامية بشكل خاص , ثم الدولة المضيفة , وفلسطين . وأن الخاسرين أيضا ثلاثة : الديمقراطية الغربية المزعومة , والاخلاق الغربية , وإسرائيل . كيف سأقول لكم وأمري إلى الله , بعد أن تصلوا على سيدي رسول الله:
أما ألأول ــ أيها الأفاضل ــ فقد صدعت رؤوسنا حضارة الغرب وانبهرنا بها وترجمناها في مجتمعاتنا ومنتدياتنا , وتغنينا بها ونهلناها حتى الثمالة , انبهرنا بالثقافة الغربية ,أو فرضت علينا بالإجبار حتى نتخلى عن هويتنا وأخلاقنا وإرث أجدادنا الثقافي من عادات وأعراف . لكن الذي تبدى في هذا المونديال من خلال أقوال وأفعال المعتدلين العفوية من أبناء الغرب المشاركين والمشجعين وهواة متابعة الكرة , بعيدا عن إعلامهم الرسمي وسياسات دولهم , تجاه كل ما هو عربي مسلم, وأن أي دولة عربية غير قادرة على استضافة مثل هذا الحدث الكبير وإدارته , الأمر الذي دفع هؤلاء المعتدلين لإظهار الإعجاب بتنظيم هذا المونديال على أفضل ما يكون , ويتحدثوا في أكثر من موقف عمّا لمسوه من تفوقنا الأخلاقي والحضاري وتسامحنا الديني وكرمنا الأصيل الذي ما شهدوه في مونديالات سابقة , حتى على مستوى النظافة الشخصية , كاستخدام الماء في الحمامات العامة اكرمكم الله , ذكّرني ذلك بزيارة قمت بها قبل عدة سنوات إلى الأراضي المحتلة عام 1948, وكان من ين المدن التي زرتها مدينة طبريا , جل سكانها من بني إسرائيل وهي مدينة سياحية بامتياز, لم أجد في كل شاليهاتها حماما واحدا فيه ماء , وكان سؤالي عن ذلك مستهجنا فهم لا يستخدمون إلا المحارم الورقية , لذلك لم أستغرب أنه في حرب أكرانيا أول ما اختفى في متاجر الغرب كانت المحارم الورقية , وما عرفنا السبب وقتها حتى صرح بذلك أحد المشجعين بعفوية .
أما الرابح الثاني فالدولة المضيفة فما توقع أحد في الغرب أن تدير والمونديال بهذا الرقي , رغم منع كثير من الدول الغربية وعلى راسها بريطانيا مجرد الدعاية للمباريات . تلك الحرفية التي شهد بها القاصي والداني عدا دول الاستعمار الغربي حسدا من عند انفسهم .
أما الرابح الثالث ــ يا دام سعدكم ــ ففلسطين إذ كانت حاضرة بقوة رغم عدم تأهل فريقها للحضور , وذلك بما حازت عليه من تفاعل وتعاطف مع عدالة القضية, فكان العلم الفلسطيني والنشيد الفلسطيني موجودان في كل المباريات , دون أن يطلب أحد من رئيسة وزراء كرواتيا ارتداء الكوفية والفريق البرازيلي من ترديد أغنية أنا دمي فلسطيني وسط الملعب .
أما الأخسرون فمنظومة القيم الخلقية والاجتماعية الغربية , بدءاً بالمثلية الألمانية , فالخمرة السويسرية , والكراهية السويدية , وانتهاء بتحريض وتهديد الدولة المضيفة من قبل بريطانيا وفرنسا .
وأما والخاسر الثاني فالديمقراطيات التي طالما تشدقوا بها وعابوا علينا عدم وجودها عندنا, رغم أنه تبين أنهم السبب في كل مصيبة لحقت بنا . تشدقوا بحرية الراي والتعبير وقد سقط هذا القناع وبدا ما تحته , وتشدقوا بالعدالة لكنهم فرقوا بين العدوان على أكرانيا والعدوان على فلسطين طبلوا لمن قتل على يد الروس وأيدوا التنكيل بأهل فلسطين, بل وساعدوهم بالمال والسلاح , وحموهم في أروقة الأمم المتحدة .
أما إسرائيل وما أدراك ما إسرائيل ! فكم كان محرجا لها إذ لم تجد عربيا واحدا يقبل أن يظهر أو يوافق على إجراء لقاء معه من قبل القناة العبرية , رغم التطبيع الرسمي مع دولهم , ولم يكن لعلمها الحضور الذي كان لفلسطين .
وبعد ــ ايها السادة الكرام ــ فقد قررت أن أتعلم أبجديات كرة القدم , وأوطن نفسي على متابعتها لأقارن بين ما جرى في قطر وما سيجري في الدولة التي ستستضيفه في قابل الأيام . طابت أوقاتكم ,
بقلمي علي محمود الشافعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق